العبادة .. هي إعمار الأرض …. بقلم : جمال عمر

منح الله الإنسان هبة فطرية هي القدرة على خلق الجديد والابتداع وهي هبة ربانية من صفات الله تعالى يمنحها لفئة العمار من خلقه في كل كونه الفسيح لتمنحهم القدرة على إعمار المكان المستخلفين عليه بأمر الله وقدره ، وأكثر خطايا فئة العمار انتشارا هي إساءة استخدام الهبة الممنوحة من الله لهم ، وأكبر ألوان هذه الخطيئة هو تزوير المخلوق للمهمة التي خلقهم الله من أجلها وذلك هو قمة الضلال ، والضلال هو حرفة البشر جميعهم أيا كان نوعهم ومللهم وانتماءاتهم وقد تفشى الضلال بينهم كنتيجة مباشرة لسوء استخدام لهذه الهبة الفريدة والمميزة للبشر والتي وهبهم الله إياها لتعينهم على  القيام بتأدية مهمة العبودية لله التي خلقهم من أجلها وهي إعمار الأرض كخليفة لله عليها {.. هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .. }هود61 ، وهي المهمة التي استحقوا عليها سجود الملائكة لهم ، فهي العبادة الحقيقية وهي مهمة العبودية التي سيحاسبنا الله عليها جملة وتفصيلا ، وأول ما سقط المسلمون فيه من الضلال أنهم ادعوا أن العبادات هي الفروض والمناسك كما يسميها الله في كل كتبه السماوية ، حيث أنها ليست أكثر من فروض مناسك فرضها الله ليعلن بها خضوعه لله ، فيستقيم ابن آدم في أداء العبادة الحقيقية وهي إعمار الأرض كخليفة لله عليها (فمن لم تنهاه صلاته فلا صلاة له) ولقد جاء تزوير مفهوم العبادة متعمدا على أيدي علماء اليهود زوروا مفاهيم التوراة من قبل ثم نقلوها للمسيحية ونجحوا في دسها على المسلمين بواسطة يهود الشيعة من المفسرين ، لإفساد المسلمين الذين سادوا الدنيا بالعلم والعمل ، وقد استهوت هذه الضلالة عامة المسلمين ليركنوا للكسل والتراخي والبحث عن المتع والشهوات والتي يحللون حرماتها بفتاوى تبعا لأهوائهم.

ولمن يعترض على كون العبادة هي إعمار الأرض بالعلم والعمل والكد والكدح ، نسأله .. لماذا يسمي الله الكافرين به يوم القيامة بلقب (عبادي) ، في قوله تعالى .. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ }الفرقان17 ، وكيف يختم نبي الله عيسى رده على الله سبحانه وتعالى .. عندما سأله .. {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ .. }المائدة116 ، بقوله لله عن الكافرين الذين عبدوا المسيح وأمه من دون الله .. {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }المائدة118 ، فكيف يكون الكافرون بالله هم عباد الله إلا أن تكون العبادة لا علاقة لها بالإيمان والفروض والمناسك ، بل هي عمل يفعله عامة البشر ، وتلك هي الحقيقة ، فسبحانه جعل 0إعمار الأرض) فطرة في نفوس بني آدم ، فكل إنسان يولد وهو يريد أن يحيا ويأكل ويشرب ويتزوج وينجب ويبني ويحيا أفضل ممن سبقوه ، وذلك هم عين الإعمار للأرض ، وتلك حقيقة منطقية ، فإذا كان الإنسان الضعيف لا يقبل أن يؤدي جهازا صنعه وظيفة بخلاف ما صنعه من أجله ، فكيف نتخيل أن الله الذي خلق بني آدم ليعمروا الأرض ، يملكون أن يفعلوا بفطرتهم شيئا يخالف إعمار الأرض ، والأدلة كثيرة وعديدة لمن يتدبر ويفهم ويعي .

ولسنا في محل إثبات ضلالة تزوير مفهوم العبادات التي دمرت العلم والعمل والجد والاجتهاد في إعمار الأرض في كل بلاد المسلمين ، ولكن يكفي أن ننتبه أن الله تعالى ما فصل عقوبة لذنب أو خطيئة مهما كانت كبيرة مثلما فصل عقوبة الإفساد في الأرض بل واعتبرهم المفسدين كأنهم أعلنوا الحرب على لله ورسوله في قوله تعالى  {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33 ، ويكفينا ما قاله رسول الله للمعتكف بمسجده وأخاه يحتطب ويعوله ، قال له (أخاك أعبد منك) أي أن أخاه يؤدي العبادة والتي هي آداء مهمة العبودية لله ، بأفضل من المعتكف للصلاة والصوم وذكر الله في المسجد ، بل إن من الأحاديث المشهورة عن رسول الله قوله ( من مشى في حاجةِ أخيه ساعةً من ليلٍ أو نهارٍ، قضاها أو لم يقضها كان خيراً له من إعتكاف شهرين في مسجدي هذا ) لأن قضاء حوائج الناس هي إعمار للأرض ، والأدلة على ذلك لا حصر لها ويكفينا منها قوله تعالى قبل خلق آدم ، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}البقرة30 والخليفة مهمته إعمار المكان المستخلف عليه بأوامر وتعليمات صاحب المكان ، وعجبا لا نرى التخلف وإهمال العلم والعمل والقذارة وسوء التعامل في الطرقات والمنافع العامة مستفحلا مثلما نراه في بلاد المسلمين حتى قال أحد مشايخ المسلمين عن انطباعاته عن أوروبا (وجدت في بلاد الفرنجة إسلاما بلا مسلمين ورأيت في بلادنا مسلمين بلا إسلام) وما حدث هذا إلا بعد أن زورنا مفهوم العبادة وحصرناها في الفروض والمناسك والتي هي سلوك شخصي لا عبادة فيه ، ولكن يفعله المسلم فقط ليستقيم في العبادة الحقيقية التي خلقه الله من أجلها وهي إعمار الأرض كخليفة لله عليها .

وكنتيجة مباشرة لتزوير مفهوم العبادات وحصرها في فروض ومناسك ، سقط المسلمون وانقسموا لفرق وجماعات ومذاهب حتى انقسم المسلمين لبضع وسبعين فرقة وجماعة تكفر بعضها بعضا ويقتل بعضهم بعضا ، فقط لأنهم تناسوا وتغافلوا نهي الله لهم عن الانقسام لفرق وجماعات ، والذي صدر بقرار رباني قاطع وبلاغ من الله وتحذير شديد اللهجة في سورة الروم في قوله تعالى { .. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } ، فمن انضم لجماعة أو فرقة لها شيخ أو أمير أو ولي أو إمام فق وقع في الشرك بالله ، والمفهوم الواضح والصريح بلا جدال ، أنه لا فرق ولا جماعات ولا مذاهب ولا تقسيمات في الإسلام ، ولكن المسلمين انزلقوا واستمرأوا التفرق والانقسام لمذاهب وفرق وجماعات ، والتي بدأت بتقسيم المسلمين لسنة وشيعة ثم توالى السقوط والتشرذم بابتداع جماعات صوفية ووهابية وسلفية وإخوانية وجهادية وغيرها حتى وصلوا لأكثر من سبعين فرقة وجماعة وكل منهم كما يقول سبحانه وتعالى (فرحون بشركهم) ، بل ويكفر بعضهم بعضا ويدعي كل منهم أن فرقته أو جماعته أو مذهبه هم الناجون ، وللأسف الشديد أصبح الدين مصدرا تجارة ومغنما للمال والمناصب والمكانة الاجتماعية والسياسية وبالتالي فلن يضحي أحد بمنصبه ومكانته التي اكتسبها من أجل الاعتراف بالخطأ الجسيم والجرائم في حق الدين ، ولذلك لا يملكون شجاعة مواجهة تيارات الضلال في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق .

والنتيجة الحتمية أننا ما زلنا نسوف ونخدع أنفسنا ولا نجد من يعترف بضلال وشرك كل المسميات من الفرق والجماعات ويعلي لله كلمته على أرضه وبين عباده ، مع أننا نعلم يقينا شرك الانتماء لفرقة أو جماعة في الإسلام بصحيح آية الروم ، والمؤكدة بنهي رسول الله لنا عن تقسيم المسلمين لفرق وجماعات بقوله (تنقسم أمتي لبضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قيل : من هي يا رسول الله؟ فقال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي (، ومن العجيب أن جميع الفرق المعروفة كلهم مبتدعون ومضللون ورغم ذلك كل منهم يدعي أنهم فقط الناجون من النار ، ويتغافلون أن ما حدث لهم وفيهم من صنيعة شياطين الماسونية من اليهود الذين زوروا كل الأديان من قبلهم فهم من أخفوا التوراة وأصدروا التلمود ثم البروتوكولات وحرفوا الإنجيل بل جعلوه أربعة أناجيل وزيادة في السخرية من أتباع الإنجيل ملئوها بالفواحش والخطايا حتى يستحي الشخص القويم من قراءته أمام أبناءه ثم أجبروهم على تصديقها والإيمان المطلق بها دون تفكير أو محاولة الفهم ، ولذلك سقطت الأناجيل في الغرب مع تفشي العلم وسقطت معها سلطة الكنائس ولم يعد للدين في الغرب وجودا إلا في مناسبات محدودة في الزواج والوفاة وأحيانا لتعميد مولود عند بعض المتدينين منهم ، وبتكرار الجرائم الأخلاقية ضد الأطفال والنساء في الغرب أصبح الاقتران بالكنيسة في الغرب مشبوها وعلامة على التخلف وضعف العقول ، وكذلك زوروا مفاهيم الإسلام الأساسية كاملة ولم يتركوا منه سوى قشور الفروض والمناسك والحدود بل وأغرقوا المسلمين في الاختلافات حولها وتشديدها حتى فرضوا النقاب واللحية وأبطلوا الصلاة لعدم وضع اليد اليمنى فوق اليسرى ، بل وزادوا الأمر سوءا بالمذاهب والفتاوى وكتب الفقه والشريعة المليئة بالكوارث الفقهية ، ثم فرضوا لها ولهم قدسية حتى لا تمسها يد مفكر أو باحث ، وللأسف استسلم المسلمون رغم أن الله ما عاتبهم على شيء في القرآن كما عاتبهم على عدم أعمال العقل والتفكر والتدبر بقوله تعالى أفلا (يعقلون – يتفكرون – يتفقهون  يتدبرون) .

ومن العجيب أنهم استخفوا بعقول العامة واستخدموا آية من كتاب الله ليصنعوا لهم كيانا وقدسية ، ويغلقوا أبواب التدبر والفهم على كل البشر سواهم ، فجعلوا شعارهم المعلن {.. فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43 ورغم أنها جزء من آية تم اقتطاعها لنشر الباطل بها ، فقد أوردها الله وكررها مرتين لغرض واحد هو الرد على من لا يصدقون أن الله اصطفى رسله لبني آدم من البشر وليسوا من الملائكة ، فقال لهم سبحانه وتعالى .. (فاسألوا أهل الذكر) وهم أهل التاريخ وحملة القصص ، ولكنهم إمعانا في الضلال والتزوير ، استخدموها لتكون حجة وسيفا على رقاب كل من يفكر ويناقش ، حتى لا يحق ذلك إلا فقط لهم كوكلاء لله على الأرض وأهل العلم الديني فهم زورا (أهل الذكر) ، وهو قمة التزوير والضلال في دين الله ، ومما زاد الأمر احتداما أننا نرى الأزهر منارة العلم ورمزه قد تفرغ ليكون طرفا في قضايا ضد كل من يحاول أن يفكر أو يقترب من مناهج علومهم ، حتى أصبح لديهم تهما مسبقة بالفسق والزندقة ازدراء الأديان والتشكيك في الثوابت (وما هي بثوابت) لكل من يحاول التفكر والتدبر ، خاصة عندما يفشلون في الرد على أسئلة غيرهم من المفكرين والشباب ، عندما يتعرضون لأخطاء ومغالطات العلوم الشرعية في كتب الأولين ، وهو ما تكرر مرارا وكانت نتيجته ظهور الإلحاد وإنكار المناسك والفروض .

أخيرا .. كان أولى بأهل العلم والدين أن يعترفوا بالأخطاء في الموروثات ، ويعملوا على تنقيح هذه المناهج المليئة بالكوارث الإنسانية والتي صنعوا لها قدسية كاذبة ومضللة نتج عنها هذا الكم الكبير من الفرق والجماعات والمذاهب المختلفة والمتناحرة والمكفرة لغيرها وأورث المسلمين إراقة دماء بعضهم بعضا بشكل غير مسبوق باسم الدين ، وأجاد اليهود والصهاينة استغلال هذه الفرق والجماعات والانقسامات ، واستخدموهم سيفا على رقاب المسلمين ، ووسيلة لتدمير دولهم ونهب ثرواتهم ، وتشريد شعوبهم  ، ولا نملك سوى أن نكرر الدعوة لهم ألا يفضلوا دنياهم على حساب دين الله وأن يتقوا الله في دينه وليخشوا أن يحشرهم الله يوم القيامة بين علماء الأمة ، وهم أول من تحمى بهم النار يوم القيامة ، وأخيرا هو نداء لمن يحكمون بلادنا المسلمة أن ينتبهوا أن المسلم يقدس دينه مهما كان مفرطا ، ولو آمن المسلم أن إعمار الأرض هي العبادات الحقيقية وأنها مهمة العبودية التي خلقنا الله من أجلها وأننا محاسبون عليها ، وأن تخريب الأرض هو إعلان الحرب على الله ورسوله ، لاختلفت كل مفاهيم البشر وأصبحوا أكثر حرصا على إعمار بلادنا وتقدمها ، ولرأينا منهم معجزات عملية وعملية توفر الكثير من الوقت والجهد والمال في سبيل إعمار بلاد المسلمين وتقدمها ، كعبادة وجهاد في سبيل الله .. والمهمة كبيرة وشاقة في أعناق المسئولين عن حكم المسلمين أمام الله ثم التاريخ ، وبالتالي فمهمتكم أن تحركوا الساكن وتدفعوا في طريق الحق كل من يريد ومن لا يريد فأنتم من تملكون زمام الأمور ونواصيها .. إن كنتم تعلمون … اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد .

جمال عمر

عن الكاتب : جمال عمر

شاهد أيضاً

هل أنت .. من خراف القطيع ؟؟ …. بقلم : جمال عمر

كثير من الناس أو قل الغالبية العظمى يعشق أن يكون فردا في القطيع ، رغم …

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *