الفقر .. ستر ونعمة ورضا …. بقلم : جمال عمر

زمان اتعودنا نسمع الحكمة من الناس الكبيرة ، وطبعا معظمنا كان بيسمع حكم كبار السن ومش مركز يفهم ، ولو فهم بيكبر دماغه كالعادة ، لكن طبعا بنرددها عند اللزوم ، وبنعمل بيها فاهمين ونتنطط بيها على بعض ، ومن الحكم دي (الفقر سترة) ، وطبعا واحنا ضغيرين كنا بنتخيل ان الفقر بيتلبس فيستر جسمك مثلا ، ولكن بعدها (أوعى) الكتكوت الفلوط ابتدى يفهم ويتمنظر باللي عارفه ، عرفت ان الفقر بيمنع الانسان إنه يفضح نفسه ، يعني هتلاقي الواد الفقير لما ربنا يوسعها عليه ، يفجر ويخربها فيخطر على بالك على طول (الفقر سترة) ، الفقر كان ساتر عوار نفسه وفساد أخلاقه ، ومرت سنين العمر ، ويا دوب عدينا سن الشباب بشوية صغيرة (معلش .. ما تحاولش تقنعني اني بقيت عجوز وكركوبة ومشكلتي ما بين الفولتارين وعلبة الفيكس وحقن فيتامين ب) ، ما يغركش المنظر ، على رأي الواد بيقول لابوه (انت عايز تتجوز وسنك فوق السبعين ، ده احنا بنشيلك نركبك العربية) ، قاله يا حمار افهم ، ما الحفار بيشلوه على تريللا لكن لما بينزلوه على الشغل بيهد الدنيا ، ومحدش يضحك دي الحقيقة ، احنا لسة بخيرنا ، (بس مش عارف فين الخير ده بالظبط ) ، أول ما الاقيه هاقولكم علشان نستخرجه سوا .

ما أجمل ابتسامة الفقراء

المهم .. قول كبرنا شوية وابتدينا نشقلط المعاني ونقلوظ المفاهيم ، فضينا بقى ، وأكل مرعى وقلة صنعة ، فبدل ما نتحول لعواجيز فقرية بتقر في كل كبيرة وصغيرة ونزهق خلق الله ، ونقرف المزة ست البيت ، وخلي بالك وحياة الغالي كانت زمان مزة بجد ، ومالكش دعوة دلوقتي بقت إيه ، ادينا بنقلب عيشنا بكلمتين ، ونقطة من أول السطر على رأي الواد حفيدي الصغير خريج (برايم وان) زي ما علموه ، بس هيا اسمها أولى ابتدائي يا رخم يا ابن الرخم ، كل ما يعوز يقفل موضوع باكلمه فيه يقولي يا مستر جدو نقطة ومن أول السطر ، باحس ساعتها أني اتهزقت أوي أوي أوي ، الواد ابو شخة ده يقولي واانا جده (نقطة ومن أو ل السطر) ، ياللا .. كله خير ، المهم لما كبرنا شوية ، الحاجات بقى ليها معاني مختلفة ، وعرفت حقيقة الفقر سترة ، واكتشفت انه سترة ونعمة ورضا ، ليه يا معلم … تعالى في أي حتة بس بعيد عن مصنع الكراسي وانا اقولك ، وان كنت والله ما انا عارف فين المصنع ده ، بس سمعتها في فيلم من بتوع السبكي ، ربنا يهديه ويخفف حسابه هو والواد الماسوني المضحوك عليه ، وبالمناسبة الواد ده أكبر مثال على إن الفقر سترة .

الواد ده لما كان فقير كان عارف ربنا وبيصلي وبيدعيه ليل نهار ، وفجأة باع كل حاجة بالفلوس ، وحمل نفسه ذنوب كل العيال البلطجية اللي بتقلده ، وذنوب كل العيال اللي خربت على حسه ، وبعدين خلاص بقى فجر وبقى من تلاميذ الماسونية ، وبيرقصلهم وبيخلع ويلبس أي حاجة يقولوا عليها ، حتى ولو حمالة صدر زي النسوان ، ومشكلة الواد التعبان ده هيا الجهل يا صاحبي ، لأنه مش عارف إنه جاي الدنيا علشان يعمرها بالعلم والعمل والكد والكدح ، وانه هيتحاسب على كل حاجة ياخدها ، واللي مش عارفه معظم الناس ، إن كل ما كان اللي بتاخده قليل ، هتكون حظك سعيد وحسابك أقل ، وكمان جاهل إن قمة السعادة في الدنيا هي في القليل اللي يكفيك ، ومش في الكتير اللي يخربك ويشغلك ويلهيك ويكره خلق الله فيك ، وكمان مش عارف اننا جايين في رحلة من رحلات متكررة ومتتابعة ، ورحلة كل واحد فينا اللي جاية ، مبنية على نتايج الرحلة دي ، ولو فجرت في رحلتك الحالية ، فده معناه أخطار كبيرة ، أولها انك تموت ملعون فتبقى دي آخر رحلة اختبار ليك ، وخسرت كل حاجة دنيا ودين ، والثانية أنك هتتحمل ديون كتير ، ودي لازم ترجع تخلصها وده هيعطلك عن اختباراتك الأصلية ويمكن يكون سبب في خسرانك ليها .

أصل الحسبة أكبر من خيال أي واحد فينا ، لأننا عاملين زي العيل اللي عايز يعرف إيه ورا الباب ، فبص من خرم الباب ، وتخيل عقله النونو ، إن الدنيا خلف الباب هيا كلها في الدايرة اللي عينيه شايفاها من الخرم ، وكمان بيتفلسف ويوصف وفرحان وبيتخيل أي حاجة مش شايفها ، والنتيجة انه بيضحك المخلوقات عليه ، فالناس مثلا منتشر بينهم اننا بنعيش الدنيا مرة واحدة وبعدها هننزل نستنى الحساب في القبور ، وعملوا نعيم وعذاب للقبور ، وقصص واستلفوا قصة الثعبان الأعور الجبار من الأساطير البابلية وعلموه من ثوابت الدين لتخويف وترهيب الناس من الموت ، رغم أن عندهم كتاب كريم وآياته بتشرح بالتفصيل ما سوف يحدث بعد الوفاة ، ولكن الغالبية شايفة القرآن مجرد حجاب وشوية حسنات وبركة ، مع إن ده أقل فايدة ليه ، وعلشان كده صدقوا الخرافات والأساطير ، وكذبوا وتجاهلوا تماما ملامة الله ليهم على ادعاءهم بأن الحياة مرة واحدة في آية صريحة ، وصف فيها سبحانه مقولة الحياة لمرة واحدة بأنها خيلات وظنون وجهل من البشر .

ولكن أحيانا .. بنشوف ناس فقيره في العلم ، وقدرتها على استيعاب العلم ضعيفة بالفطرة ، والناس دي سعيدة الحظ جدا ، لأنهم بيسمعوا الكلام وملتزمين وباخلاص ، فقط لمجرد أنهم مدركين أن الموضوع أكبر من قدرات استيعابهم ، ففقر العلم لديهم سترة ونعمة ورضا من الله ، لكن المشكلة الكبرى عند أنصاف المتعلمين ، خاصة من قرروا إلغاء عقولهم ، واعتبروا أن منحهم في رؤوسهم (طبق كبدة بالطحينة وبابا غنوج) ، فهم يرددون مثلا كلاما وتفسيرات لكتاب الله أصدرها أصحابها منذ أكثر من ألف سنة ، ويرون أن هؤلاء فقط هم أهل العلم ، وبعضهم يقولها صراحة ، نحن لسنا علماء مفكرين ، نحن نقلة علم بإخلاص ، وكأن رؤوسهم وقلوبهم قد تم إغلاقها بالشمع الاحمر ، فصدق فيهم قوله الحق (لهم قلوب لا يعقلون بها) ، وبالمناسبة فقد ثبت في عام 2024م ومنذ عدة شهور فقط ، أن القلب ليس مضخة للدم فقط ولكن الخالق العظيم جعل في كل قلب 40 ألف خليه عصبية عاقلة ومسيطرة ، وهي التي تتحكم في قرارات وسلوكيات الإنسان وليس (المخ) كما كنا نظن ، وتلك واحدة من معجزات كتاب الله التي تثبت أن الله وحده لا إله إلا هو ، وهو منزل القرآن والفرقان في كتاب واحد (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، وهذا الكتاب هو كتاب علوم بحتة شاء الله أن يتعلمها ابن آدم ليعمر بها الأرض ، ولكننا كمسلمين هجرناه (هجرنا مفاهيمه) واكتفينا بترديده كبركة وحجاب وعداد للحسنات ، خاصة في زخم هلع الانترنت وصرع الشهوات.

وهنا لينا وقفة كبيرة شوية مع موضوع الأرزاق ، ومشايخنا الأفاضل للأسف ما يعرفوش الحقيقة ، لأنهم لو عارفين يبقى مشكلتهم مع حساب ربنا عسيرة ، فالأرزاق يقدرها سبحانه للعبد من قبل ولادته ، ومقدر فيها ماذا سيأخذ من الدنيا ومتى يأخذه وكيف يأتيه ، ولا تبديل لقدر الله ، ورزقك سوف يأتيك كاملا حتى لو كنت نائما لا تعمل ولا تسعى ، وتلك حقيقة ، والفرق في الرزق ما بين السعي وعدمه هو بركة الرزق فقط ، وهذا ليس شيئا يسيرا أو بسيطا ، فبركة الرزق هي الفيصل ما بين المتعة بالرزق ، وبين العذاب بالرزق في الدنيا وحلول سخط الله عليك في الدنيا والآخرة ، فمن يسعى يبارك له الله في رزقه ويمتعه به ، ومن لا يسعى سيأتيه رزقه ولكن سيحرم من المتعة به ، مثلما يجعله الله بخيلا على نفسه وغيره ، أو يبتليه بما يحتاج لأضعاف رزقه ، ولا علاقة بين الأرزاق والسعي ، فالسعي نحن مكلفون به لإعمار الأرض ، ومن يتقن إعمار الأرض يجعله الله سيد عليها ، وهو ما يصنع الفارق بين طبيب وسائق توكتوك ، أو مهندس وعامل ، أو رئيس وموظف ، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا في الدنيا والآخرة ، ولكن بعض ضعاف العقول يظنون أنهم لو قالوا للناس ذلك فسوف ينامون ويتكاسلون ، وكأنهم لا يعلمون أن النفوس قد جبلها الله على السعي والكد والكدح ، وأن الحقائق كما ذكرها الله في كتابه أولى أن يعلمها الناس .

Nor _al islam | إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ( 30 ) به‌ڕاستی په‌روه‌ردگارت به هه‌ر که‌س که بیه‌وێت ڕزق و ڕۆزی فراوان ده‌به‌خشێت، یاخود

وقد أصبح لدي يقين بأن الغنى والفقر هي مقدرات بيد الله ، وأن الله يبسط الرزق لمن يشاء وقتما يشاء كيفما يشاء ، وذلك تبعا لنفوسهم ، فمن النفوس إن أغناها الله فجرت وكفرت ، ومنها ما يفسدها الفقر ، وهو حديث قدسي يقول فيه سبحان (إن من عبادي من إن أغنيته لصلح حاله ، ومنهم من إن أفقرته لصلح حاله ، فخلوا بيني وبين عبادي) ، وفي جميع الأحوال من الغنى أو الفقر ، فأفضل الرزق هو الرضا ، لأن النفوس التي لا ترضى تظل معذبة في الدنيا بسخط الله عليها ، والله أولى بها يوم القيامة ، فإذا رضيت بقدر الله وقضاءه عليك ، يرضيك سبحانه بما لم يخطر على بالك ولم تحلم به ، وهنا يقول سبحانه (عبدي رضيت بقدري وأنا أعطيك على قدري) ، بل إن الله لا يغير نعمه على عبده إلا لو غير العبد ما بنفسه ، وهو قوله تعالى .. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53 ، فلو شئت الخير فغير نفسك للخير ، وتمنى الخير لكل خلقه ، وافرح بنعم الله على غيرك ، يعطيك الله من نعمه أكثر مما تحلم وتتخيل ، وأحسن الظن بالله ، ولا تكن مثل بعض عباده الذين ينتظرون دوما الأسوأ والشرور ، وهؤلاء لن ينالوا من الدنيا سوى الشرور ، لأنهم أساءوا الظن بالله في خلقه ودنياه ، فيصادقهم الله على ظنونهم ، ويقول لهم .. (أنا عند ظن عبدي بي ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر).

أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني - مصلحون 

ولا شك أن لكل مخلوق على الأرض قدور رزقه ، والتي سوف يحاسب عليها ، ولا شك أيضا أن القليل من الرزق مع الرضا به يمنح الإنسان أروع ما في الحياة وهو الرضا ، لأن مفهوم الرضا الحقيقي هو السعادة ، لأنك عندما تكون راضيا تستطيع أن تنام قرير العين ، وتكون الابتسامة سهلة ومعتادة ، ويكون القلب قادرا على العفو والتسامح والصفح ، فيتم التصالح بينك وبين الحياة ، فتعطيك الحياة بأمر ربها ما لم يخطر على بالك ، كما أن الرضا يمنحك قناعة بما لديك ، ويقينا بأن ما لم تحصل عليه لا يناسبك ولو كان خيرا لك لرزقك الله به ، فسيارة أخيك الفارهة لا تستطيع أن تمنحه الرضا ، وفيلا صديقك الفيحاء لم تسعده ، لسبب بسيط ، أن الدنيا لا يوجد فيها شيء بلا ثمن ، وكلما زاد ما تملكه كلما غاب عنك جزء من سكينة نفسك ، وانشغلت أكثر عن أشياء تغفل عنها عيناك وقلبك ، فتج\ مثلا .. خطيبة جارك تربية (المونتن فيو) ، وزوجة أخيك (تربية التجمع أو جاردن سيتي) سيشغلها أكثر ما سوف تناله من الطرف الآخر ، وما سوف تتباهى به من زواجها ، فليس عندها متسع من الوقت والجهد لتعطي سعادة لغيرها ، ولذلك فهي فقيرة المشاعر والأحاسيس وفقيرة الرضا ، رغم الغنى وكثرة المال ، ولذلك فالفقر بالفعل سترة ونعمة لو غلفه الرضا بما قسمه الله لابن آدم ، وهكذا هي الدنيا لكل حال فيها مميزاته وعيوبه ، ومن لا يفهم هذا فهو فقير تعيس مهما أغناه الله …

ضيق النفس والهم - موضوع

 أخيرا .. لا تتعجب عندما يفاجئك أن أسعد الأزواج في الدنيا ، هم من كان ما يملكونه في حدود الكفاف ، وهم الفقراء في نظرك ، فهؤلاء يجدون الوقت والجهد ليسعدوا بعضهم بوجودهم معا ، ليعوضوا نقص المال والمتاع ، وسوف تجد البسمة لا تفارق وجوههم ، ويضحكون ويسخرون من كل شيء وعلى رأسه فقرهم ونقص متاع الدنيا لديهم ، فتجد حياتهم ما بين البسمة والضحكة والدعابة والتواصل المنسجم بالمشاعر والأحاسيس ، ويكثر بينهم التواصل والجدعنة والشهامة والمروءة ، وهو ما يندر وجوده بين الأغنياء ، وتلك قسمة الله لمتاع الدنيا في خلقه ، ولذلك تجد الفقراء أكثر أولادا من الأغنياء ، ليس فقط لأنهم يطفئون الأنوار مبكرا ، وليس فق لأنهم يعوضون ما ينقصهم بالتواصل الحميم ، ولكن لأن فرحة الحمل والإنجاب لديهم ، لا تعادلها فرحة في الدنيا حتى ولو كان لديهم دستة عيال ، ولذلك .. اتعجب كثيرا من غباء وحماقة بعض الأغنيا والمكتفين ماديا عندما يلومون الفقراء على كثرة عيالهم ، ، لأنهم جهلة بناموس الخالق في خلقه ، والذي قال لنا .. {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }الكهف46 ، فإذا كنت ممن أتاهم الله المال ، فهل تستكثر أن يراضي الله الفقراء بالعيال ليعوضهم عن المال الذي رزقك الله به وحرمهم منه ، وهل يغرك مالك وتظن أنك تملكه فتحبسه عن الفقير ، وأنت تعلم أن الله محاسبك عن الفقير في جوارك قبل حسابه لك على أولادك ، ولذلك يتمنى ابن آدم يوم القيامة لو يعود للدنيا ليتصدق ، لأن الصدقة هي أعلى مراتب العبادة لله لأنها تصلح أحوال العباد ، فينال صاحبها رضا ربه ورحمته ونعمته في الدنيا والآخرة ، حتى شكر النعمة لا يكون باللسان مطلقا ولكن بعمل يصلح حال البشر ويرضي الله ، وهو ما قاله سبحانه وتعالى لآل داوود في كتابه العزيز .. اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13.

جمال عمر

عن الكاتب : جمال عمر

شاهد أيضاً

الاتزان الكوني والشفرة الإلهية (11) …. بقلم : جمال عمر

توقفنا سابقا عند .. اتفاقنا على أن الاتزان الكوني المحفوظ بالشفرة الإلهية في خلقه تعالى …

تعليق واحد

  1. لحرفك و فكرك ارق و اعطر تحية

اترك رداً على انتصار الاسدي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *