عجيب أمرك أيها الإنسان .. كلما أعجزك شيء ابتدعت له من خيالاتك أوهاما تريح بها نفسك وتطمئن بها قلبك ، ثم صدقت نفسك وصنعت من الوهم أسطورة ، ثم جعلت للأسطورة قدسية دينية أو فوقها ، ولا تستحي أن تروج لفكرة الأسطورة بمنطق مغالط ومخادع ، ثم تضفي عليها ما يجعلها مقبولة في مجتمعك ، وتزور لها أحداثا وبراهين ولو دينية ، ثم .. تتناسى أنك صانع الوهم ، وتنشر أسطورتك المقدسة وتدافع عنها ، حتى تصبح حقيقة في كل ملة ودين ومجتمع ، والحقيقة أنك صانع الوهم مفتريا على الله في خلقه ، وربما ذكرني بذلك ما يفعله المتعصبين من جمهور الأهلي في ليهم أعناق الحقائق وادعائهم العبيط بأن ناديهم هو أعظم ما في الكون ، وكأنه نادي إلهي منزل من سدرة المنتهى ، وليس هذا غريبا ولا عجيبا ، فالإنسان منذ بدء الخليقة يحترف صناعة أساطير (المسيخولوجيا) ، ويمهد لها عبر العصور بقصص البطل الأوحد ، والمختار ، وسوبر مان ، وبات مان ، ولص بغداد ، وأساطير القديسين على جدران الكنائس ، مثل ماري جرجس قاتل التنين ذو السبعة رؤوس ، وماري جرجس نفسه تاريخيا لم يكن يجيد ركوب الخيل ولا استخدام الأسلحة مطلقا ، ثم المهدي المنتظر لدى الشيعة وبعض المسلمين ، والمسيح المنتظر من اليهود والمسلمين والنصارى ، والجميع يصدق ما يدعيه ، ولا يملك حتى مجرد التفكير في كذب ما يقوله أو يسمعه ، فعجبا لك أيها الإنسان المتأله والعاشق للهراء .

عندما تقرأ أو تسمع قصص الأبطال المنقذين المنتظرين في أي ملة أو دين أو مجتمع ، تشعر أنك تسمع كلاما معادا ومكررا بصور مختلفة تبعا للثقافات والفكر ، ففكرة المنقذ أو المخلص ، هي فكرة قديمة جدًا في تاريخ البشرية، ظهرت في العديد من الثقافات والدين، وتعود جذورها إلى حاجات نفسية ودينية مختلفة، مثل الرغبة في الخلاص من الظلم والمعاناة، أو الاعتقاد في قوة خارقة يمكنها إنقاذ البشرية ، أو قل ببساطة .. هي وسيلة نفسية يلجأ إليها الإنسان ليداوي بها سقطاته وإحساسه الدفين بالفشل ، وعدم القدرة على تحقيق آماله وأمنياته في حياته ، ولذلك لن تجد شخصا ناجحا ومثقفا ولديه قدرا محترما من العلم ، يتعصب لفريق كرة أو يدخل في جدال من أجل شيء تافه ، مثلما تشاهد جدلا بين سائقي التوكتوك بعد مباراة كرة قدم ، والذي سرعان ما يتطور لسباب ، ثم لمشاجرة بالأيدي ثم بالأسلحة البيضاء ، فالإحساس بالفشل والدونية الذاتية هو أهم أسباب اللجوء لأية انجازات وهمية ، أو الإيمان والترقب والانتظار لحدث جلل يغير حياة الفشل ، ولذلك تفشت فكرة السوبرهيرو والمخلص والمنقذ والمختار في كل الثقافات ، بل واخترقت الدين فأصبحت أساطير مقدسة يصدقون بحدوثها أكثر من إيمانهم بوجودهم أحياء .

ففي الديانات السماوية ، نجدها في اليهودية ترتبط فكرة “المشيخ” أو “المسيح” بالمنقذ الذي سيأتي لإنقاذ اليهود وتطهير العالم والقصاص من كل أعداء اليهود (الغوييم) ، والذين هم جميع البشر من غير اليهود ، وهم حيونات بشرية خلقها الله على صورة اليهود البشر ليخدموا اليهود ، ولذلك يستحقون العقاب بالموت والسحق والدمار على يهد المسيح المنتظر ، وفي المسيحية .. يعتبر يسوع المسيح “المنقذ” الذي جاء ليرسل الخلاص للبشرية ، وهو الإله ابن الرب الذي ضحى بابنه الوحيد لكي يكفر خطايا العالم ، وناهينا عن أكذوبة ان البشر عندما تخطيء فإن ذلك يستوجب أن يعاقب الرب نفسه بقتل ابنه الوحيد (من إنسية كأسطورة هيركيوليزالرومانية) ، وبذلك يضحي بوحيده لتكفير خطاياهم ، وكأن الإله العظيم الخالق لكل شيء بقوله للشيء كن فيكون ، لا يستطيع أن يغفر لكل خلقه بكلمة واحدة ، وفي الإسلام .. يرى المسلمون الشيعة وبعض السنة في “المهدي” شخصية ستظهر في آخر الزمان لإنقاذ البشرية من الظلم والفساد ، ولدى الشيعة فالمهدي دخل سرداب منذ ألف سنة واختفى وما زال حيا وسيخرج منه في آخر الزمان ، وهو من الأئمة الثنى عشر أحفاد الحسين بن علي ، ولكن فقط من زوجته الفارسية بنت ملك كسرى ، بينما في الديانات غير السماوية نجد الديانات الفارسية تحتوي على فكرة “المخلص” الذي سيعيد الإزدهار للعالم ويخلص البشرية من الظلام ، وهناك بعض الثقافات المختلفة مثل الأساطير المصريةالتي تحتوي على العديد من الأساطير عن الملوك والآلهة الذين يحمون البشرية ويحققون العدالة ، وفي الأساطير اليونانية فحدث ولا حرج فهي تحتوي على العديد من أبطال الأساطير الذين يمثلون قوة خارقة تساعد البشرية.
ويعد من أهم أسباب فكرة المنقذ ، هو الرغبة في الخلاص وذلك عندما يشعر البشر بالمعاناة من الظلم والظروف القاسية، وتثير لديهم الرغبة في وجود منقذ ، مما يدفعه للتعلق بالاعتقاد في القوة الخارقة ، ولذا يعتقد البعض في وجود قوة أو شخصية خارقة قادرة على إنقاذ البشرية ، وكذلك هناك تأثير النصوص الدينية المزورة عمدا ، والتي قد تؤثر في تشكيل فكرة المنقذ وتحديد طبيعته ، وتعد من أقوى أساطير المنقذ المتفشية في هو المسيح في المسيحية ، فهو يسوع المنقذ الذي جاء ليخلص البشرية من الخطايا ، ويليه لدى شيعة المسلمين هو المهدي الذي سوف يأتي قبل المسيح مباشرة والبعض يقول قبله أو معه ، والمهدي هو المنقذ سيظهر في آخر الزمان ليخلص العالم من الظلم ، وأخيرا في اليهودية هو المشيخ ، وهو المنقذ الذي سيأتي ليحقق العدالة للبشر ، حيث يعتقد اليهود أن المسيح لم يأتي بعد ، ويكذبون عقيدة المسيحيين ، ويصمون المسيح ابن مريم وأمه بما لا يليق ، ومع ذلك تصالحوا ظاهريا ضد المسلمين ، ولكن وكل منهم ينتظر مسيحه .
وقد ساهمت القصص والأساطير المنقولة عبر أجدادنا في تأصيل هذه الفكرة الضلالية بامتياز ، وبعد أن كانت نائمة في مجلدات الكتب الصفراء ، وتتناقلها قصص الدعاة في أماكن العبادة ، وحكاوي الجدات في ليالي الشتاء ، لاقت انتشارا مهولا بظهور التلفاز ، وانتشار القنوات الفضائية ، وأخيرا انفجرت في وجه العالم بظهور وسائل التواصل الاجتماعي ، وحرية نشر فيديوهات التيك توك والكواي والريلز وغيرها ، وساعدها أكثر النهم البشري لكل ما هو غير تقليدي ومثير ، ونتيجة تفشي الظاهرة في دراما الأطفال ، حدث ما لم يكن في حسبان أحد ، وهو أن فكرة الهيرو وسوبر هيرو أصبحت من أساسيات حياة الأطفال ، ويرجع الفضل لسوبرمان وباتمان وسبيدرمان ، ثم ظهر العبث بالفكرة وتحويلها لما يخدم قادة الماسونية عندما استخدموا (سبونش بوب) الأسفنجة الفريدة كسوبرهيرو ، ثم جعلوه شاذا يتزوج من صديقه المثلي الجنس ، للترويج للمثلية في عقول الأطفال .
ولا شك أن الماسونية قد أجادت بامتياز استغلال ضلالات وأساطير السوبرهيرو ، والمنقذ والمخلص والبطل المنتظر حتى على مستوى الكبار من عامة الشعوب ، خاصة في الشرق الأوسط وبلاد العرب ، فتجد قنوات متخصصة ومتفرغة للحديث عن نهاية العالم وهرمجون وأحداث النهاية ويأجوج ومأجوج وخروج الدابة وظهور المهدي وولادة المسيخ الدجال وعلامات الساعة الصغرى والكبرى ، وأهوال ومقدمات قيام الساعة ، وآلاف الأحاديث عن سمات الشعوب على حافة القيامة ، وترميز لكل حدث في العالم ، ونشر النبوءات لأشهر المنجمين ، ومتابعة سنوية وشهرية يومية لتصريحات المنجمين وتوقعاتهم للأحداث العظمى ومستقبل الأبراج ، وحدث ولا حرج عن اللجان الأليكترونية لفرق الماسونية كإخوان المسلمين وغيرهم ، واصطيادهم لكل حدث وتحويله لعلامة كبرى ومقدمة لكوارث ومصائب على رأس البشر والشعوب ، وكان آخرها خرافة الثلاثة سبعات (25 20 / 5/ 25) وما يستتبعها ما كوارث على البشر والأرض ، وناهيك عن ليلى عبد اللطيف وحايك وماجي فرح ونوسترادموس وبابا فانجا وأخيرا الجفر ، وما أدراك ما الجفر ، والذي يفجعك تنبوءاته وتجعلك تشعر أنك أمام صورة برؤية مسلمة لنبوءات أشعياء اليهودية والموجهة بحماقة لتدمير كل ما هو غير يهودي خاصة مصر والمصريين .
فالبشر في الخطوط العريضة لسلبيات خيالاتهم لا يختلفون كثيرا ، ولكن يختلفون في أوهام التفاصيل ، وهو ما نلاحظه في تفاصيل مهمة المخلص في كل ملة أو معتقد ، فهو في اليهودية متوافق مع حقدهم وكراهيتهم الدفينة لكل ما هو غير يهودي ، فالمنقذ المخلص لدى اليهود سيكون مهمته الأساسية هو قتل أعدائهم والتمثيل بجثثهم ، وحرق البشر والشجر وقتل الأطفال والشيوخ والنساء والبهائم ، فلا يبقة أثرا للحياة خلفه ، بينما يكتفي المسلمون بجعل المهدي يقتل المسخ الدجال وينتصر بجيشه على جيوش الملحدين ، ودون أحقاد التمثيل بجثث البشر ، ولعل ما يفعله اليهود بالفلسطينيين اليوم هو أبلغ مثال حقارة معتقداتهم اللانسانية ، واجرامهم المتأصل في نفوسهم تجاه العرب والمسلمين على وجه الخصوص ، بل وتستطيع أن تراه في أسلوب تعامل الرئيس الصهيوني لأمريكا (دونالد ترامب) مع الأمراء والملوك في الخليج ، فهو يتعامل معهم بكل احتقار واستهانة ، ويتعمد إهانتهم قبل أن يبتز أموالهم ، ويبارك بكل وقاحة قتل الفلسطينيين ، وليس عجيبا مطلقا ما نراه من انعدام الكرامة والنخوة والرجولة لدى حكام الخليج ، فهم يرون في (ترامب) مخلصهم المعاصر ، والمحافظ على عروشهم التي سرقوا بها شعوبهم ، فالرجل يشاركهم ما سرقوه ثمنا لحماية عروشهم ، وهم لا يمانعون بل سعداء بهذا ، ويرونه قمة الذكاء والمهارة السياسية .
ولا شك أيضا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد اعتلى منصة المنقذ المعاصر عن جدارة ، وبهدوء يحسده عليه حتى المقربين منه ، فالرجل أصبح أيقونة ورمزا للرجولة والشجاعة والشهامة والقوة والحكمة ، ليس للمصريين فقط ، بل لكثير من الأمم والشعوب ، ولست مبالغا أن أدعي أن كثيرا من خصومه ومتربصيه في العالم قد غيروا مواقفهم تجاه الرجل ، ولو ظاهريا ومضطرين ، لأن الرجل أثبت شجاعة وحكمة غير مسبوقة ، هذا بالإضافة لما فعله في دولة كانت على حافة الحرب الأهلية ، ومفلسة وفاقدة للأمن ، إلى دولة قوية تفرض إرادتها السياسية على أكبر القوى الصهيونية في العالم ودون تهديد وبمنتهى الهدوء والثقة ، فاستحق الرجل أن يجلسه المصريون على منصة التتويج كمنقذ لمصر نادرا ما يتكرر ، وإن كانت مصر معتادة وولادة كما يقول التاريخ ، فسيف الدين قظز ولد من رحم التفكك المملوكي ليوحد المصريين ويهزم التتار الذين اجتاحوا آسيا والعرب جميعا ولم يوقفهم إلا المصريين بقيادة سيف الدين قطز ، ولم يوقف الصليبيين سوى المصريين أيضا بقيادة صلاح الدين الأيوبي ، ولم يلقن اليهود درس عمرهم إلا أنور السادات في سبعينات القرن الماضي ، ومرتين ، مرة بالحرب فأذلهم وأعاد أسراهم بالبيجامات الكستور المصرية ، والثانية يوم أن لقنهم درسا في الأخلاق والتاريخ بخطابه التاريخي في الكنيست الإسرائيلي .
ولا شك أننا كشعب له خصوصياته التاريخية ، والتي من أبرزها صناعة السوبر هيرو ، وهي ليس صناعة وهمية مثل كثير من الشعوب ، ولكنها صناعة قدرة وتميز حضاري ، لامتلاك المصريين رصيدا نفسيا تاريخيا متوارثا غير مسبوق ولا مثيل له في العالم ، فكما يقول المؤرخين ، مصر جاءت للدنيا ثم جاء من بعدها التاريخ ، ومن لا يدرك هذا فهو مجهل ويسيطر على عقله الضلالات والأوهام ، وفي ملاحم السوبر هيرو والمنقذ والمخلص ، لا نستطيع أن نتجاهل أن كل أنبياء الله ورسله كانت مصر لهم حاضنة أو صانعة ، بداية من آدم ومرورا بإدريس وولد نوح وإراهيم أبو الأنبياء وأحفاده أبناء يعقوب وهم ملوك مصر العظماء ، والذين تم العثور على أجسادهم في وادي الملوك منذ أسابيع ، ولو كان في كل شعب هناك سوبرهيرو واحد أو اثنين في تاريخهم ، فيكفي أن نعرف أن خاتم المرسلين قد أخبر الدنيا أن المصريين كأمة هم (السوبرهيرو) ، فقال فيهم .. (هم خير أجناد الأرض) .
وقد قال فيهم خبير الشعوب وومصنف الأمم .. الحجاج من يوسف الثقفي .. وصفا سيظل علامة فارقة في تاريخ الأمم والحضارات ، حيث قال لطارق بن عمرو .. { لو ولاك أمير المؤمنين أميراً على مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة وهادمى الأمم ، وما أتى عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كما تلتقم الأم رضيعها وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجياف الحطب ، وهم أهل قوة وصبر و جلدة و حمل ، ولايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم ، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه ، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه ، فإتقي غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم ، فإنتصر بهم فهم خير أجناد الارض وأتقى فيهم ثلاثاً ، نسائهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها ، أرضهم وإلا حاربتك صخور ، جبالهم ، دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك ، وهم صخرة فى جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله } ، بل والحجاج بن يوسف الثقفي نفسه وبالرغم مما فعله بمنافقي العراق وفارس ، والمتمردين على الدولة الأموية ، وما قيل عنه وفي حقه ، فقد كان أحد (السوبرهيرو) المميزين في تاريخ الدولة الأموية ، فعلى يديه فتحت للمسلمين كل البلدان حتى الصين وأندونيسيا شرقا ، ووصل لروسيا شمالا ، بل وبفضله يستطيع أي إنسان أن يقرأ كتاب الله وحده ، فهو الذي قاد حملة وضع النقاط وتشكيل اللغة العربية ، وقد كانت قبلها لغة سماعية ، لا يفهمها إلا أهلها فقط بلا تشكيل أو نقاط للأحرف .

اقلام مصرية موقع ووردبريس عربي آخر
